في مشهد يعكس هشاشة سوق الكريبتو أمام العوامل الخارجية، شهدت العملات المشفرة الكبرى يومًا أحمر قاتمًا، حيث تحولت المحافظ الاستثمارية إلى اللون الأحمر. فما الذي دفع أسواق الكريبتو إلى هذا الانحدار المفاجئ؟ وما العوامل التي دفعت المتداولين إلى التخلي عن أصولهم الرقمية بهذه السرعة؟ ثلاثة محاور رئيسية تقف خلف المشهد الحالي:
1. بيانات اقتصادية أمريكية تهز الثقة لا تُطمئن الأسواق
اعتادت الأسواق أن تتفاعل بقوة مع تقارير الوظائف الصادرة من الولايات المتحدة، لكن تقرير يوليو حمل في طياته خيبة أمل غير متوقعة. أرقام التوظيف كانت ضعيفة بشكل غير معتاد، ومراجعات الأشهر السابقة كشفت عن مبالغات فادحة في تقديرات النمو الوظيفي.
المفارقة أن الأسواق لم تقرأ هذا التراجع كمجرد إخفاق مؤقت، بل كإشارة على خلل أعمق في عصب الاقتصاد الأمريكي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاعًا مفاجئًا في عدد الباحثين عن العمل لفترات طويلة، يتضح أن السوق بدأ يتفاعل مع فكرة أن الركود لم يعد احتمالًا نظريًا، بل تهديدًا يقترب بثبات.
2. تدخّل سياسي غير مسبوق يُضعف مصداقية المؤسسات
بعيدًا عن لغة الاقتصاد، جاء التدخل السياسي من البيت الأبيض ليفاقم التوتر. إذ خرج الرئيس الأمريكي بتصريحات حادة يتهم فيها مفوضة مكتب الإحصاء بالتلاعب، ويأمر بإقالتها. في العُرف السياسي، تعتبر مثل هذه الخطوات إشارة خطيرة على تدخل السلطة في المؤسسات المستقلة.
وبالنسبة للمستثمرين، فإن تشكيك القيادة السياسية في دقة البيانات الاقتصادية الرسمية يفتح بابًا واسعًا للريبة، ويقوض أحد أهم أسس اتخاذ القرار في السوق: الثقة في الأرقام. فهل يمكن بناء توقعات استثمارية في بيئة تُتهم فيها الأرقام بأنها جزء من اللعبة السياسية؟
3. رسائل عسكرية غير تقليدية تعيد شبح الحرب الباردة
وفي تطور غير متوقع، لجأ الرئيس الأمريكي إلى وسيلة غير رسمية ليعلن فيها عن تحركات عسكرية شملت غواصات نووية أمريكية، ردًا على تصريحات روسية. ورغم أن التصعيد لم يتحول إلى مواجهة، إلا أن النبرة والطريقة فتحت الباب أمام مخاوف حقيقية من دخول مرحلة أكثر توترًا في العلاقة بين القوى الكبرى.
هذه الرسائل فُسّرت في الأسواق على أنها مؤشر على فقدان الاتزان في السياسات الخارجية، ما دفع الكثير من المستثمرين للهرب إلى أدوات أكثر أمانًا، مثل الدولار وسندات الخزانة، على حساب الأصول الرقمية عالية التقلب.
الأسواق في وضع “الدفاع”: لا أحد يُراهن على المستقبل القريب
رغم أن انخفاض أسعار الفائدة أصبح مرجحًا بشدة في الاجتماع القادم للاحتياطي الفيدرالي، إلا أن المزاج العام في الأسواق لم يحتفل بهذه الخطوة. ففي الظروف العادية، خفض الفائدة يُعد دعمًا للسوق. أما اليوم، فالأمر يُقرأ على أنه اعتراف رسمي بأن الاقتصاد يعاني، وأن السياسات النقدية باتت في موقع الاستجابة لا القيادة.
العملات الرقمية، التي غالبًا ما ترتبط حركتها بأسهم التكنولوجيا والأصول ذات النمو العالي، تفاعلت بحدة مع هذه النظرة التشاؤمية. فبدلًا من أن تمثل فرصة للشراء، اعتُبرت هذه المرحلة مرحلة انسحاب وانتظار.
النتيجة: موسم تصفية لا وقت للرهانات
يتّضح مما سبق أن أسواق الكريبتو لم تنهار بسبب عامل واحد، بل نتيجة تراكم عوامل اقتصادية وسياسية ونفسية. حالة عدم اليقين باتت هي القاعدة، والمستثمرون لم يعودوا يجرؤون على البقاء في المراكز المكشوفة. ومع غياب أي إشارات طمأنة واضحة، من المرجح أن يستمر هذا الميل إلى “الهروب من المخاطر” في السيطرة على مجريات الأمور، على الأقل في المدى القصير.
في النهاية، ربما لا يكون السؤال الآن “متى سترتفع السوق؟”، بل “ما الحد الأدنى الذي قد تبلغه قبل أن تستقر؟”